وأصل عبادة الأوثان أنه كان في القوم الذين أرسل إليهم نوح رجال صالحون، فلما ماتوا وضعوا لهم أنصابا ليتذكروهم بها ويقتدوا بهم، ثم صاروا يكرمونها لأجلهم، ثم خلف من بعدهم خلف جهلوا حكمة وضعها لكنهم حفظوا تكريمها، والتبرك بها، تدينا وتوسلا إلى الله، فكان ذلك عبادة لها وتسلسل في الأمم بعدهم، وقد روى البخاري عن ابن عباس: إن المضلين يبنون شبهاتهم على جميع أنواع العبادة التي عبدوا بها غير الله كالتوسل به ودعائه، وطلب الشفاعة منه، وذبح القرابين باسمه، والطواف حول تمثاله أو قبره والتمسح بأركانهما، وكل ذلك شرك في العبادة، شبهته تعظيم المقربين من الله تعالى للتقرب بهم إليه. الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (24). بعد أن أبان سبحانه أن أكثر أهل الأرض ضالون متبعون للظن، والحدس، وأن كثيرا منهم يضلون غيرهم بأهوائهم بغير علم، وأن الشياطين منهم العاتين عن أمر ربهم يوحون إلى أوليائهم ما يجادلون به المؤمنين ليضلوهم ويحملوهم على اقتراف الآثام، ويحملوهم أيضا على الشرك بالله بالذبح لغيره والتوسل به إليه وهو عبادة له - ضرب هنا مثلا يستبين به الفرق بين المؤمنين المهتدين للاقتداء بهم، والكافرين الضالين للتنفير من طاعتهم والحذر من غوايتهم مع ذكر السبب في استحسان الكافرين لأعمالهم وهو تزيين الشيطان لهم ما يعملون، ومن ثم انغمسوا في ظلمات لا خلاص لهم منها، وأصبحوا في حيرة وتردد على الدوام. الخزائن واحدها خزينة أو خزانة: وهي ما يخزن فيها الشيء الذي يراد حفظه ومنع التصرف فيه: « وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » والغيب: ما غيّب علمه عن الناس بعدم تمكينهم من أسباب العلم به، وهو قسمان: (1) غيب حقيقي: وهو ما غاب عن جميع الخلق حتى الملائكة وهو المعني بقوله عز اسمه: « قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ». وليس في القرآن نص قطعى صريح في رسالة آدم عليه السلام، بل مفهوم قوله: « إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ » أن نوحا أول نبي مرسل أوحى الله إليه رسالته وشرعه، وكذلك حديث الشفاعة. نزلت هذه السورة في دعوة مشركي مكة إلى الإسلام ومحاجتهم في التوحيد والنبوة والبعث، وكثر فيها حكاية أقوالهم بلفظ (وَقالُوا - وَقالُوا) نحو: « وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ - وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا » إلى نحو ذلك - وتلقين الرسول ﷺ الرد عليهم مع إقامة الحجة والبرهان بلفظ (قُلْ - قُلْ) نحو: « قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ - قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ». (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) أي ولكن أكثر المؤمنين يجهلون عدم إيمانهم عند مجىء الآيات، لجهلهم سنة الله تعالى في عباده وانطباقها على الأفراد والجماعات، لذلك يتمنى بعض المؤمنين لو يؤتى مقترحو الآيات ما اقترحوا، ظنّا منهم أن ذلك يكون سبب إيمانهم، مع أن الآيات لا تلزمهم الإيمان ولا تغيّر طباع البشر في اختيار ما يترجّح لدى كل منهم بحسب ما يؤدّيه إليه فكره وعقله: ولو شاء الله لخلق الإيمان في قلوبهم خلقا بحيث لا يكون لهم فيه عمل ولا اختيار - وحينئذ لا يكونون محتاجين إلى الرسل كما أنه لو شاء - جعل الآيات مغيّرة لطبائع البشر وملزمة لهم أن يؤمنوا فيكون الإيمان إلجاء وقسرا، لا اختيارا وكسبا، ولكنه لم يشأ ذلك بدليل قوله تعالى: « لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ». ثم رد عليهم مقالتهم الدالة على العتوّ والاستكبار بقوله: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) أي إن المستحقّ لمنّ الله وزيادة نعمه إنما هو من يقدّرها قدرها، ويعرف حق المنعم بها فيشكره عليها، لا من سبق الإنعام عليه فكفر وبطر وعتا واستكبر. والمس: اللمس باليد، ويطلق على ما يصيب المدرك مما يسوءه غالبا من ضر وشر وكبر ونصب وعذاب. وقد أقاموا مقام هذه المخلوقات: التماثيل والأصنام والقبور وغيرها مما يذكّر بها، وهذه هي الوثنية الراقية التي كانت عليها العرب زمن البعثة، ومن ثم كانوا يقولون في طوافهم بالبيت الحرام: لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك. وبعد أن ذكر سبحانه تصرفه في الخلق دقيقه وجليله كما يشاء كما هو شأن الربوبية الكاملة، ذكر أنه هو السميع العليم أي المحيط سمعه بكل ما من شأنه أن يسمع مهما يكن خفيا عن غيره، فهو يسمع دبيب النملة في الليلة الظلماء، والمحيط علمه بكل شيء « يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ ». وقوله ما لم ينزل به عليكم سلطانا - مذكور على طريق التهكم، مع الإعلام بأن الدين لا يقبل إلا بالحجة والبرهان، والتقليد ليس بعذر ولا سيما تقليد من ليس على هداية ولا علم ولا بصيرة والله لم ينزل بما ادعيتموه سلطانا لأنه باطل فلا سلطان عليه ولا دليل. (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ) أي كلوا من ثمر ذلك الذي ذكر إذا أثمر وإن لم يدرك ويينع. (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها) أي وإن يروا كل آية من الآيات الدالة على صحة نبوتك وصدق دعوتك لا يؤمنوا بها، إذ هم لا يفقهونها ولا يدركون المراد منها لوقوف أسماعهم عند ظواهر الألفاظ فحظهم كحظ الصّمّ من سماع أصوات البشر. 7 الأعراف Al-A'raaf. والوكيل: هو الذي توكل إليه الأمور. وبعد أن وصف الخالق تعالى بما دل على توحيده واستحقاقه للحمد - انتقل إلى خطاب المشركين الذين عدلوا به غيره في العبادة مذكّرا لهم بدلائل التوحيد والبعث فقال: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ، ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) أي هو الذي خلقكم من الطين (التراب الذي يخالطه ماء) فقد خلق أباكم آدم من الطين كما خلق سائر الأحياء التي في هذه الأرض بل خلق كل فرد من أفراد البشر من سلالة من طين، فإن بنية الإنسان مكونة من الغذاء ومن ذلك البويضات التي في الأنثى والحيوان المنوي الذي في الذكر فكلها مكونة من الدم، والدم من الغذاء، والغداء من نبات الأرض أو من لحوم الحيوان المتولدة من النبات فالمرجع إلى النبات من الطين، والناظر في كل هذا يعلم جليا أن القادر على كل هذا لا يعجزه أن يعيد هذا الخلق كما بدأه عند انقضاء آجاله التي قضاها له في أجل آخر يضر به لهذه الإعادة بحسب علمه وحكمته. سورة الكهف مكتوبة كاملة قراءة فقط - القرآن الكريم. روى ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: إن هذه الآية آية لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله في خلقه، ولا ينزلهم جنة ولا نارا, وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (129) يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (130) ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ (131) وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132). والمؤمنون ليسوا بعبيد للرسل ولا أعمالهم الدينية لهم، بل هي لله يريدون بها وجهه لا أوجه الرسل، وحسابهم عليه تعالى لا عليهم، والرسل هداة مرشدون، لا أرباب مسيطرون: « فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ. والقصص: ذكر الخبر أو تتبع الأثر، والفصل: القضاء والحكم. 003- سورة آل عمران. (ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ) الخطاب موجه إلى المشركين الذين أقيمت عليهم الحجة، والإشارة إلى الله المنزه عن كل ما يصفونه به، المتصف بما وصف به نفسه من الإبداع، أي ذلكم الذي شأنه ما ذكر هو الله ربكم لا من خرقوا له من الأولاد، وأشركوا به من الأنداد، فاعبدوه ولا تشركوا به شيئا، لا إله إلا هو خالق كل شيء، وما عداه مخلوق له يجب أن يعبد خالقه، فكيف يعبده من مثله ويتخذه إلها. طلب البحث متطابق مع محتوى داخل الكتاب... سورة الأعراف / ١٣٧ - (وتمت كلمة ربك لأملان جهنم) سورة الأنعام/ ١١٥ - وقرأ الباقون - على الجمع - وحجتهم : أنها . ... مكتوبة بالتاء فدل ذلك على الجمع وعلى أن الألف التي قبل التاء اختصرت في المصحف وأخرى: أن الكلمات جاءت بعدها بلفظ ... فلما نزلت أقبل عمر بن الخطاب فاعتذر فأنزل الله: « وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا » الآية. ثم أمره أن يرغب المشركين فيما يدعو إليه لا فيما يدعونه إليه فقال: (قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى) أي قل إن هدى الله الذي أنزل به آياته، وأقام عليه حججه وبيناته، هو الهدى الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لا ما تدعون إليه من أهوائكم اتباعا لما ألفيتم عليه آباءكم. فقد روى مسلم من حديث أبى ذر عن النبي ﷺ فيما يرويه عن ربه أنه قال: « يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرّما فلا تظالموا » الحديث، ولا من غيره إذ لا سلطان لأحد من خلقه ولا كسب في ذلك اليوم يمكنه من الظلم كما يفعل الأقوياء الأشرار في الدنيا بالضعفاء. وفي هذه الجملة والتي قبلها هدم لقاعدتين من قواعد الوثنية وهما الفداء والشفاعة (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) أي لقد تقطع ما كان بينكم من صلات النسب والملك والولاء والصداقة. ثم ختم سبحانه الآية بنفي الشرك وتقرير التوحيد فقال: (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي ولو أشرك أولئك المهديون بربهم فعبدوا معه غيره لبطل أجر أعمالهم التي يعملونها، إذ توحيد الله تعالى هو المزكّى للأنفس، فضده وهو الشرك منتهى النقص والفساد المدسّى لها والمفسد لفطرتها، فلا يبقى معه فائدة لعمل آخر يترتب عليه نجاتها وفلاحها به. وروى أحمد أن النبي ﷺ قال: « إذا رأيت الله يعطى العبد من الدنيا على معاصيه ما يحبّ، فإنما هو استدراج ثم تلا رسول الله ﷺ - فلما نسوا ما ذكروا به » الآية. وهو جلت قدرته لم يجعل من خلقه شريكا له في التصرف ولا في كونه يدعى معه ولا وحده لكشف ضر ولا جلب نفع كما قال تعالى « فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا » وقال: « قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلًا ». وبعد أن أمره بتبليغ الناس حقيقة رسالته، أمره بإنذار من يخشون الحساب والجزاء فقال: (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أي وأنذر بما يوحى إليك - المؤمنين بالله الذين يخافون أهوال الحشر وشدة الحساب وما يتبع ذلك من الجزاء على الأعمال عند القدوم على الله في ذلك اليوم الذي لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة: « يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ » يوم لا ولى ينصر، ولا شفيع يدفع العذاب إن أريد النجاة منه، بل أمر ذلك متوقف على مرضاة الله. (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ، وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي وإن يصبك أيها الإنسان ضر كمرض وفقر وحزن وذل اقتضته سنة الله فلا كاشف له ولا صارف يصرفه عنك إلا هو، دون الأولياء الذين يتّخذون من دونه، ويتوجه إليهم المشرك بكشفه - وهو إما أن يكشفه عنك بتوفيقك للأسباب الكسبية التي تزيله، وإما أن يكشفه بغير عمل منك، بل بلطفه وكرمه، فله الحمد على نعمه المتظاهرة التي لا حدّ لها - وإن يمسسك بخير كصحة وغنى وقوة وجاه فهو قادر على حفظه عليك كما قدر على إعطائه إياك، وهو القدير على كل شيء، أما أولئك الأولياء الذين اتخذوا من دونه فلا يقدرون على مسّك بخير ولا ضرّ. وبهذه الفوائد يفضل الكرم الذي هو أقرب الشجر منه تفكها وتغذية وشربا وأشبهه به شكلا ولونا في عنبه وزبيبه ومنافعه. (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) أي ومن أولئك الكافرين فريق يستمع إليك إذا أنت تلوت القرآن داعيا إلى توحيد الله مبشرا منذرا. (ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) أي ذلكم المتصف بكامل القدرة وبالغ الحكمة هو الله الخالق لكل شيء المستحق للعبادة وحده لا شريك له فكيف تصرفون عن عبادته وتشركون به من لا يقدر على شيء من ذلك كفلق نواة وحبة وإيجاد نخلة وسنبلة. وجزم الضحاك وابن جرير أن اسمه آزر، والضلال: العدول عن الطريق الموصل إلى الغاية التي يطلبها العاقل من سيره الحسي والمعنوي، وملك الله وملكوته: سلطانه وعظمته، وجنه الليل وأجنه ستره، والكوكب والكوكبة: واحد الكواكب، وهي النجوم، ربى أي مولاى ومدبر أمري، الأفول: غيبوبة الشيء بعد ظهوره، وبزوغ القمر ابتداء طلوعه، وتوجيه الوجه لله تعالى تركه يتوجه إليه وحده في طلب حاجته وإخلاص عبوديته، وفطر السموات والأرض: أخرجهما إلى الوجود لا على مثال سابق، والحنيف: المائل عن الضلال. ثم بين أن هذا الإبسال كان بسوء صنيعهم فقال: (أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا) أي أولئك المتخذون دينهم هزوا ولعبا المغترون بالحياة الدنيا، هم الذين حرموا الثواب، وأسلموا للعذاب، وحبسوا عن دار السعادة، بسبب ما كسبوا من الأوزار والآثام حتى أحاطت بهم خطاياهم، ولم يكن لهم من دينهم الذي اتخذوه زاجر ولا مانع يرشدهم إلى التحول عن تلك الأعمال القبيحة، ويصدّهم عن العقائد الزائفة. قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64). (وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) أي والذين لا ترجى استجابتهم لأنهم كالموتى لا يسمعون السماع النافع، يترك أمرهم إلى الله فهو الذي يبعثهم بعد موتهم، ويرسلهم إلى موقف الحساب فينالون ما يستحقون على كفرهم وسىء أعمالهم، فلا تبخع نفسك عليهم حسرات، إذ ليس في استطاعتك هدايتهم ولا إرجاعهم إلى محجة الرشاد. (وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) أي لله ما في السموات وما في الأرض، وله ما سكن في الليل والنهار، وخص هذا بالذكر وإن كان داخلا في عموم ما في السموات والأرض، تنبيها إلى تصرفه تعالى بهذه الخفايا ولا سما إذا جنّ الليل وهدأ الخلق. ذاك أنهم لم يعقلوا مما في القرآن من أنباء الغيب إلا أنها حكايات وخرافات تسطّر وتكتب كغيرها من الأنباء والخرافات، فلا علم فيها ولا فائدة منها، وهذه حال من يسمع جرس الكلام ولا يتدبره ولا يفقه أسراره، أو من ينظر إلى الشيء نظرة جملية لا يستنبط منها علما، ولا يستفيد منها عقيدة ولا رأيا، وما مثلهما إلا مثل من يشاهد ألعاب الصور المتحركة (السينما) مفسرة بلغة هو لا يعرفها، فكل همه مما يرى من المناظر والكتابة لا يعدو التسلية وشغل الوقت. (فالِقُ الْإِصْباحِ) فلق الصبح: هو فلق ظلمة الليل وشقّها بعمود الصبح الذي يبدو في جهة مطلع الشمس من الأفق مستطيلا، ولا يعتد به حتى تنفشع الظلمة عنه من أمامه وعن جانبيه حتى تزول. وقوله بزعمهم أي بادعائهم الباطل من غير حجة ولا برهان عليه. ويلزم هذا أن تعبدوه وحده بما شرعه لكم على لسان رسوله لا بأهوائكم ولا بأهواء أحد من الخلق أمثالكم. وخلاصة ذلك - إنك لن تستطيع الإتيان بشىء من تلك الآيات ولا ابتغاء السبل إليها في الأرض ولا في السماء، ولا اقتضت مشيئة ربك أن يؤتيك ذلك، لعلمه أنه لن يكون سببا لما تحبه من هدايتهم ثم أكد عدم إيمانهم فقال: (وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) أي ولو شاء الله تعالى جمعهم على ما جئت به من الهدى لجمعهم عليه إما بأن يجعل الإيمان ضروريا لهم كالملائكة، وإما بأن يخلقهم على استعداد واحد للحق والخير لا متفاوتى الاستعداد مختلفى الاختيار باختلاف العلوم والأفكار والأخلاق والعادات، ولكنه شاء أن يجعلهم على ما هم عليه من الاختلاف والتفاوت وما يترتب على ذلك من أسباب الاختيار. ثم ضرب مثلا يصور المرتد في أقبح حالة كانت تتخيلها العرب فقال: (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ، لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا) أي أنرد على أعقابنا فيكون مثلنا في ذلك مثل الرجل الذي استتبعه الشيطان يهوى في الأرض حيران تائها؟ له أصحاب على المحجة واستقامة السبيل يدعونه إلى طريق الهدى الذي هم عليه ويقولون له ائتنا. وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ (100) بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103).
نظام التعاقد المؤقت في الوظائف الحكومية, طريقة حساب القرض التكميلي من البنك الأهلي, علاج البرود الجنسي عند المرأة فتكات, أسعار اللحوم في السعودية, سيارات قديمة كلاسيكية, زراعة الأسنان بدون جراحة في الرياض, حكم التدخين في المذاهب الأربعة, دعوى مسؤولية مدير الشركة, طريقة تحويل الرقم إلى مغلق, احسن فيتامين للسيدات بعد سن الخمسين,